Home الأخبار رسالة عيد الميلاد 2023

رسالة عيد الميلاد 2023

by user 1
81 views
باسم الآب والأبن والروح القدس الإله الواحد أمين
نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله الآب وشركة الروح القدس تبقى معكم وتستمر فيكم من الآن وإلى الأبد آمين.
رسالة الميلاد 2023
في المسيح حياة كريمة
فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، وَالْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ، وَالنُّورُ يُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، وَالظُّلْمَةُ لَمْ تُدْرِكْهُ.
(يوحنا 1:4-5)
بقلم سيادة المطران الدكتور منيب أ. يونان
في الرّسالة الرّعوية لبطاركة ورؤساء الكنائس المسيحية في القدس، طلبوا من رعاياهم الوقوف بصلابة وصمود في هذه الظروف الاستثنائية للحرب. وأهابوا بالمؤمنين بضرورة التخلي في هذا العيد عن أيّة فعاليات احتفالية غير ضرورية، على أن تقتصر الأعياد على الصلوات والأدعية فقط. وقد تجاوبت جميع الرعايا المسيحية في الأردن وفلسطين مع هذا الطلب المبرر، في ظل الظروف العصيبة التي نمر بها. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل أن الكنيسة المسيحية هي مكوّن أصيل من النسيج العربي الفلسطيني. فأفراح شعبنا هي أفراحنا، وأحزان شعبنا هي أحزاننا جميعًا، وتطلعات شعبنا للحرية هي تطلعاتنا معًا. ولذلك فكثير من عائلاتنا المسيحية ستتخلص من مظاهر العيد في هذا العام، وستملأ الكنائس بالمصلين الذين يرفعون الدعاء والصلاة لوقف فوري لإطلاق النار، ووقف الحرب كلية، ونصلي من أجل المشردين والمعذبين والمتألمين والثكالى، حتى يمس طفل المذود قلوبهم بالتعزية والرجاء.
عندما نقرأ المزمور 137 في الكتاب المقدس، نقرأ أن الشعب في الجلاء اتخذ عين هذا الموقف، فرفضوا أن يحتفلوا أو يرنموا، وطلب منهم مسبيوهم على “أَنْهَارِ بَابِلَ هُنَاكَ جَلَسْنَا، بَكَيْنَا” (مزمور 137: 1). وقد بكوا على قتل أحبائهم بما فيهم الأطفال والنساء والمسنين، وبكوا على آمل ما خسروه.، وبكوا كذلك على فقدان الأمل في ظل ظروف الجلاء.
وفي هذا العيد المجيد -نحن أيضًا- نبكي بالصلاة والدعاء على هذه الأجواء الأليمة الصعبة، وعلى المناظر الحزينة في غزة، فنحن نبكي على آلاف الأبرياء الذين فقدوا حياتهم، ونحن نبكي على جميع من أصيبوا إصابات خطيرة وجرحوا وعذّبوا، ونبكي بألم عميق على كل بيت مدمّر، ونرفع أيدينا بالصلاة ونقول:
يا رب ارحمنا، يا مسيح ارحمنا، يا رب ارحمنا.
وخلافًا لإنجيلي متى ولوقا، لم يبدأ البشير يوحنا إنجيله بميلاد المسيح، ولا برحلة العائلة المقدسة إلى بيت لحم، ولا بترنيم الملائكة، ولا بزيارة الرعاة، ولا المجوس، وإنما يبدأ بإعطاء المعنى اللاهوتي العميق لتجسد المسيح. “فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللهَ” (يوحنا 1: 1).
“وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْدًا كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الآبِ، مَمْلُوءًا نِعْمَةً وَحَقًّا”. (يوحنا 1: 14).
والكلمة التي تجسدت هي الرب يسوع المسيح الذي ولد في بيت لحم، وفي المسيح المتجسد كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس (إنجيل يوحنا 1: 4). فالمسيح كان معنا واستنشق هواء فلسطين، وجال فيها يشفي المرضى ويعزي المحزونين. وعلم في المجامع، وصلب من أجلنا، ومات وقام من بيت الأموات؛ ليمنح الإنسانية معنى جديداً متجدداً للحياة. فالميلاد هو عيد الحياة؛ لأن المسيح نفسه هو مصدر الحياة. وفي ميلاده شددَ المسيح على قدسية كل حياة خلقها الله. وفي ظل هذه الحرب المستعرة على غزة يأتي الميلاد في هذا العام؛ ليشدد على قدسية الحياة لكل إنسان، مهما كان جنسه، أو دينه، أو عرقه، أو موقفه السياسي، أو انتماؤه الديني.
وعندما صنعت الحرب من حياة الإنسان مجرد رقم، فإن طفل الميلاد يتحدى هذا الفكر السقيم، ويؤكد أن الله خلق كل إنسان على صورته، وأعطاه الحق ليعيش حياة كريمة، حياة حرية وأمن وأمان؛ لأَنَّهُ “هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّة” (إنجيل يوحنا 3: 16).
ولذا لا يحق لأي إنسان أن يحرم أخاه الإنسان من الحياة، صديقاً كان أو عدواً؛ لأن الحياة هي نور الناس. لقد ولد المسيح في بيت لحم في ظل أوضاع سياسية غير مستقرة، في ظل احتلال روماني غير شرعي. ولم يجد المسيح مكانا أفضل ليولد فيه سوى اسطبل بيت لحم، الذي هو أدنى مكان لمقام المسيح. وبهذا يؤكد بأن ميلاده في أدنى مكان، فقد قدس معنى الحياة، وحافظ على قدسيتها، وهكذا فالميلاد يؤكد لكل مجروح ومتألم وخائف وفاقد للأمل بأن حياتهم مقدسة، ويستحقون العيش في حياة كريمة هانئة؛ لأن الحياة هي نور الناس جميعا.
فميلاد المسيح يبعث فينا من جديد حق كل إنسان لأن يعيش بحرية، وسلام، وأمن، ومحبة.
وثمة من يعتقد أن الحرب المعلنة على غزة اليوم هي حرب دينية، ونقول لهم: أن كنة الدين هو محبة الله، ومحبة القريب، ونرفض استغلال الدين من أجل تحقيق مصالح سياسية ضيقة، في ظل ممارسات التدمير والتهجير والقتل الممنهج.
وثمة من يقول بأن هذه الحرب على غزة هي إشارة إلى نهاية العالم، فهي حرب أخروية إسكتالوجيه. وهي حرب أبوكاليبتية، ونقول لهذه الفئة من الناس لا تستغلوا الله الذي هو إله المحبة والحياة، وتصنعوا من إله حرب، فالله لا يسر بموت الإنسان؛ إنما الله يريد خلاص الإنسان.
ولكني في هذا الميلاد، اركع مع رعاة بيت ساحور أمام مذود المسيح مصلياً.
يا طفل المغارة، يا ملك الملوك ورب الأرباب ارفع اليك بالصلاة والدعاء بلادنا التي قد أصيبت بظلمة الخطيئة، بظلمة الحقد والكراهية أو بظلمة إنكار الآخر إنسانيته، وبظلمة القمع والاحتلال، وبظلمة الانتقام والاستبداد، وبظلمة انتهاك حقوق الإنسان أصلي إليك، يا طفل المغارة، كعربي فلسطيني مسيحي أن تنير بنور الميلاد في ظلمة البلاد، وأصلي إليك بحرارة من أعماق القلب.
• كفى عنفا وقتلا للحياة التي خلقها الله على صورته.
• كفى حقدا وإنكارا لإنسانية الإنسان.
• كفى انتهاكا لحقوق الإنسان.
• كفى كراهية وشيطنة للآخرين.
• كفى احتلالا … كفى مستوطنات غير شرعية.
• كفى حربا وقتالا وسفكا للدماء.
أنر يا طفل الميلاد بنور الميلاد في ظل هذه الظلمة الحالكة، حتى يفهم الإنسان أن هذه الحياة مقدسة.
وأن الحياة هي أقوى من القتل والموت والإبادة.
وأن العدالة هي أقوى من الحرب والاحتلال.
وأن السلام هو أقوى من العداء والتمييز.
وأن المسيحية هي أقوى من الحقد والكراهية.
لأن بميلادك أكدت لنا: أنك أتيت ليكون لكل إنسان حياة، وليكون لهم أفضل (إنجيل يوحنا 10: 10 ).
إننا نصلي بحرارة في هذا العيد المقدس حتى يلهم المسيح، طفل المذود، الساسة وأصحاب القرار في هذا العالم ليحققوا العدالة ويعطوا كل ذي حق حقه، فإن فعلوا، فإنهم بذلك يقدسون الحياة التي خلقها الله والتي قدسها المسيح بميلاده. بلادنا لا تحتاج إلى سلاح، ولا إلى اقتتال، ولا إلى حقد، ولا احتلال، ولا حرب، ولا عنف، إنما هي بحاجة إلى العدالة الحقة، والعدالة فقط.
نصلي جميعا من أجل وقف فوري للحرب على غزة، وضرورة إنهائها اليوم قبل الغد، نصلي لتصل المساعدات الإنسانية لتسعف كل من هو بحاجة إليها. ونصلي من أجل إعمار غزة بعد الحرب، ونصلي بأن يلهم طفل الميلاد السياسيين ليبدؤوا بعملية سلام جدية حقيقية وشاملة، مبنية على الشرعية الدولية؛ ليعيش الجميع بأمن وعدالة وسلام وحرية؛ لأن هذه هي إرادة الله لهذه البلاد.
نصلي في هذا العيد لطفل المذود؛ لأن يتغمد بعطفه كل فاقد عزيز عليهم، ومن أجل المشردين والذين لا مأوى لهم، ومن أجل الجياع والثكالى والمحزونين والمكلومين، ومن أجل كل ضحية هذه الحرب المسعورة، ومن أجل أطفال يعيشون في خوف مستمر وذعر دائم، ومن أجل أسرى حرب متعبين، ومن أجل من فقدوا بيوتهم، ورزق عيشهم، وتشتتوا في أوطانهم، ونصلي من أجل أهل غزة فردا فردا، مسلمين ومسيحيين، فدمنا واحد، وهمّنا واحد، ومصيرنا واحد. نصلي معًا إلى طفل المذود ليزرع الرجاء الحقيقي في قلوبنا؛ حتى نسمع صوت الملائكة يرنم فوق ربوع بلادنا:
“الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ (لوقا 2: 14).
وكل عام وأنتم وعائلاتكم بألف خير

Related Articles