أ.د. عزيز حيدر
معهد الدراسات الإقليمية- جامعة القدس
أشار آخر تقرير استراتيجي صادر عن معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل-أبيب
أن الوضع الاستراتيجي لإسرائيل قد ساء في العام 2010 لثلاثة أسباب:
1- تحول موقف تركيا من إسرائيل والصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتصاعد قوة إيران في المنطقة وعدائها لإسرائيل وتقدمها في تطوير سلاح نووي؛
2- الضغط ألأمريكي في ظل إدارة أوباما للتوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين وتدهور العلاقة بين حكومة نتانياهو والإدارة الأمريكية؛
3- مظاهر نزع الشرعية عن إسرائيل في وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني في أوروبا.
أشار التقرير إلى أن تدهور الوضع الإستراتيجي نابع من امتناع حكومة نتانياهو عن بلورة سياسة ذات أهداف واضحة في كل القضايا التي تواجهها وخاصة في المسار الفلسطيني والمسار السوري. وفي المسار الأول بشكل خاص تحاول الحكومة تخفيف الضغط الذي يمارس عليها عن طريق اتخاذ خطوات جزئية وقصيرة المدى لا تساهم في معالجة القضايا الجوهرية التي تواجهها؛ ذلك أن حكومة نتانياهو ليست لديها أجوبة أو علاج لمعظم التحديات التي تواجه إسرائيل.
يتكون الائتلاف الحاكم في إسرائيل من أحزاب متناقضة في مواقفها ومختلفة في معظم القضايا المطروحة. وبالنسبة للحل في المسار الفلسطيني يمكن اختصار المواقف في طرفين: الأول يرفض أي نوع من المفاوضات لأنه يرفض أي حلول سلمية. يمكن حصر أسباب الرفض على النحو التالي:
1- أسباب أيدلوجية ترفض “التنازل” عن أي جزء من “أرض إسرائيل” ؛
2- البعض يبني رفضه على عدم الثقة بالفلسطينيين وبالعرب ولذلك فإن أي حل سوف يعرض إسرائيل لتهديدات أمنية خطيرة؛
3- يرى آخرون أن الوضع الداخلي في إسرائيل لا يسمح بالتوصل لأية حلول لأنه يتسبب في حرب أهلية: فالأطراف الرافضة للحل ومن بينها المتدينين والمستوطنين سوف يفضلون حلولاً بالقوة[*]؛
4- هناك من يرفضون الحلول لأسباب اقتصادية بحتة: فالمستوطنات المدينية القريبة من الخط الأخضر تعتبر ملجأً للكثير من الإسرائيليين الذي يعانون من الضائقة الاقتصادية وخصوصاً من الشرقيين. يذكر أن هذا السبب يفسر جزئياً التحول الذي حدث في مواقف حركة شاس السياسية في السنوات الأخيرة.
أما الطرف الثاني في الحكومة الذي يوافق على التوصل إلى حلول فيبني مواقفه على التخوف من أن تدفع إسرائيل ثمناً باهظاً لامتناعها عن التوصل للحلول السياسية: تدهور علاقاتها بأطراف دولية ذات أهمية خاصة لإسرائيل مثل الولايات المتحدة وأوروبا ودول عربية معينة، زيادة عزلتها في العالم، استمرار عملية نزع الشرعية عن إسرائيل كدولة ذات حق في الوجود، وتعاظم الأخطار الأمنية المترتبة على رفض الحلول. ويرى بعض هؤلاء أن هذه الأخطار يمكن أن تتعاظم على المدى البعيد وتشكل تهديداً جدياً على صبغة الدولة كدولة يهودية وحتى على وجودها.
الطرف الأول الرافض للحلول هو الطرف الأقوى في الائتلاف الحكومي وهو يعبر عن المناخ السياسي السائد في إسرائيل والذي يتجه نحو التطرف يوما بعد يوم: فالاستطلاعات المتلاحقة تشير إلى تعاظم الكراهية للعرب والفلسطينيين، خصوصاً الفلسطينيين مواطني إسرائيل، والتشدد في المواقف والتراجع عن القيم الديمقراطية. هذا المناخ يدعم حكومة نتانياهو في مواقفها الرافضة للحلول السياسية. لذلك من الممكن فهم أسباب فشل مفاوضات التقارب والمفاوضات المباشرة. فهذه المفاوضات تفتقر إلى أجندة واضحة في الأهداف وإلى أجندة زمنية. ويمكن فهم أن المفاوضات ليست إلا أسلوباً لتخفيف الضغط الأمريكي، وربما العربي، على إسرائيل وكل طرف من طرفي المفاوضات يعرف نتائجها قبل الدخول فيها ولكنه يشارك فيها استجابة للضغوط الخارجية ومن أجل اتهام الطرف الآخر بفشلها. ومن جهة الطرف الإسرائيلي فإن المفاوضات تعتبر عملية مؤقتة حتى يتم تغيير الإدارة الأمريكية وتخفيف الضغط عليه.
إن تغيير الإدارة الأمريكية هو جزء من الرهانات الإسرائيلية وحكومة نتانياهو تنشط بشكل مثابر ومكثف، إلى جانب الجمهوريين واللوبي اليهودي، من أجل إضعاف الرئيس أوباما في الانتخابات النصفية ومن ثم إسقاطه في انتخابات الرئاسة بعد عامين. إضافة لذلك فحكومة نتانياهو تراهن على قوة إسرائيل الاقتصادية وعدم فعالية الضغوط الاقتصادية عليها وكذلك على قدرتها في المبادرة إلى حرب جديدة في المنطقة تغير الموازين الحالية، أو على الأقل تؤجل الحسم في القرارات السياسية المصيرية.
في الوقت الحالي يصعب تصور اتخاذ قرارات في إسرائيل بشأن الاتفاق على حلول سياسية مع الفلسطينيين في ظل تموضع حزب الليكود في مركز الخارطة السياسية في إسرائيل. هذا الوضع الذي نشأ عن تغيير المناخ السياسي نتج عن جهود منظمة ومثابرة من جانب المحافظين الجدد في إسرائيل. فقد شكل هؤلاء القوة التي خططت عودة نتانياهو لرئاسة الوزراء في إسرائيل منذ لحظة خسارته في انتخابات عام 1999. عمل هؤلاء بالتنسيق مع المحافظين الجدد في أمريكا وبدعم مالي ضخم من أغنياء اليهود هناك. شملت خطة إعادة نتانياهو وتغيير المناخ السياسي في إسرائيل النشاطات التالية:
1- التركيز على قضية يهودية الدولة في الإعلام والأبحاث الأكاديمية وتسخيرها في عملية جذب أكبر عدد من الأكاديميين والباحثين والإعلاميين لصالح المواقف اليمينية. وكان من نتائج نجاح هذه الحملة تحويل الخطاب الذي يدعو إلى التبادل السكاني من خطاب هامشي إلى خطاب التيار المركزي في إسرائيل وتهميش القوة السياسية للفلسطينيين في إسرائيل وإقصائهم عن التأثير على القرار السياسي.
2- في سبيل تغيير المناخ السياسي في إسرائيل عمل المحافظون الجدد، بمساعدة الأموال الضخمة التي جندت في أمريكا، من أجل السيطرة على مراكز الأبحاث الاستراتيجية الرئيسية في إسرائيل وإقامة مراكز جديدة في خدمة فكرهم السياسي. وقد استطاعوا بالفعل السيطرة على أكبر مراكز الأبحاث وأشهرها وأكثرها نشاطاً وتأثراً في الرأي العام. كما أن عدداً من أكبر مراكز الأبحاث التي لا تختص بالأبحاث الاستراتيجية مباشرة ولكنها ذات تأثير عميق في بلورة الرأي العام قد وقعت تحت سيطرة المحافظين الجدد.
3- الهجوم العنيف على المؤسسات الأكاديمية بادعاء أنها يسارية وأحياناً أنها معادية ليهودية الدولة وإقامة كليات أكاديمية تبث فكر المحافظين الجدد، جذبت إليها عدداً من أشهر الشخصيات الأكاديمية ذات التأثير في الرأي العام.
4- الهجوم على وسائل الإعلام بادعاء أنها “أشكنازية يسارية” وإدخال بعض الإعلاميين إلى الصحافة الإسرائيلية، بأنواعها المختلفة، وكذلك إنشاء وسائل إعلام جديدة بتمويل ضخم من يهود أمريكا (مثل صحيفة يسرائيل هيوم).
5- العمل على إضعاف الجهاز القضائي وخاصة محكمة العدل العليا.
6- الهجوم على مؤسسات المجتمع المدني وخاصة مؤسسات حقوق الإنسان وحقوق المواطن والصناديق التي تمول هذه المؤسسات.
7- ملاحقة أية شخصية سياسية يمكن أن تنافس نتانياهو على رئاسة الوزراء.
8- تحويل مؤتمر هرتسليا إلى مؤسسة ومنبر سياسي مؤثر على اتخاذ القرار في إسرائيل.
كان نجاح المحافظين الجدد كبيراً جداً في تغيير المناخ السياسي في إسرائيل بحيث تمت موضعة حزب الليكود في مركز الخارطة السياسية وتم إضعاف الأحزاب “اليسارية” إلى درجة غياب المعارضة الحقيقية لحكومة نتانياهو. ومنذ انتخاب أوباما ينشط المحافظون الجدد في إسرائيل مع زملائهم في أمريكا لإضعافه وإسقاطه في انتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة. وتثبت نتائج الاستطلاعات بين يهود أمريكا أن نسبة كبيرة منهم قد تحولت في مواقفها السياسية وخاصة بالنسبة لدعم أوباما.
كان نتانياهو قد حدد هدفين رئيسيين لحكومته بعد تشكيلها: التوصل إلى حل في المسار الفلسطيني والتخلص من التهديد النووي الإيراني. والحقيقة أن نتانياهو لم يحقق أيا من الهدفين وربما أن كليهما قد أصبح أكثر تعقيداً مما كان. السؤال الذي يطرح هنا هل بالفعل كانت هذه أهداف نتانياهو ولكنه فشل في تحقيقها؟ أم أن نتانياهو لم يكن يهدف بالأساس إلى معالجة هذين الملفين. من الممكن أن نجد إجابة على هذا السؤال في الجملة الأولى في مقال للصحفي ألوف بن في صحيفة هآرتس (13/10/2010): “المجهود الأساسي لحكومة نتانياهو موجه لقمع الطموحات السياسية للفلسطينيين في إسرائيل. إن الطاقة التي يبذلها النظام في هذا الهدف أكثر من الطاقة التي يبذلها في عملية السلام وفي ردع الخطر الإيراني”.
[*] تجدر الإشارة إلى أن الأبحاث الأخيرة التي نشرتها مصادر الجيش الإسرائيلي تبين أن 13% من قيادات كتائب الجيش الإسرائيلي هي من المستوطنين وفي بعضها تصل النسبة الى 20%، وأن عدد الضباط من المستوطنين في الوحدات القتالية الراجلة قد ارتفع 12 مرة في العقدين الأخيرين ونسبة المتدينين في دورات الضباط تصل إلى 26%.
Copyright ©2006
Designed by George Maria