مؤتمر “اللاهوت والكنيسة المحلية” لمركز “اللقاء” في الجليل يبحث قضايا الشباب العربي المسيحي وكيفية مواجهة تحدياتها بمشاركة واسعة من العلمانيين ورجال الدين
في مركز أبحاث المؤتمر كانت النتائج المقلقة لاستمارة الاستفتاء التي أعدها مركز اللقاء وشارك فيها أكثر من 420 شابا وشابة مسيحيين من الجليل.
افتتح المؤتمر أعماله يوم الخميس 4 شباط 2010 بكلمات هامة ابتدأها غبطة البطريرك ميشيل صباح، رئيس مجلس أمناء مركز اللقاء مرحبا وقائلا: كثيرون يراهنون على زوالنا، وهذا نابع من ازدياد الهجرة، وهذا القول له ما يبرره ويعود إلى غياب مناهج تربية سليمة فتنشأ أجيال على التعصب الطائفي، وذلك لأحداث عنف هنا وفي لبنان أو العراق أو مصر، وكذلك نظرا للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي المستمر. وختم غبطته أن الأسئلة المطروحة في المؤتمر ستدرس مستقبلنا الذي يجب أن نبنيه بأنفسنا.
وتلاه سيادة المطران الياس شقور الذي قال: نحن في أزمة لم تحل بعد منذ 60 عاما. وأضاف لم نجد حتى الآن وسيلة لتخفيف حدة الهجرة أو ايقافها وهذا يتطلب أعجوبة من السماء، وأعجوبة منا بأن نستجيب للسماء. وأضاف سيادته بأن التفتيش عن الهوية والانتماء ما زال حيز التفتيش والسؤال، سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو التربوي. وتلاه الأب عطالله مخولي الذي أكد على أهمية عمل ورسالة رجال الدين وانها مسؤولية كبيرة وعلى الجميع أن يتعاونوا أمام التحديات الجدية التي نواجهها وتواجه شبابنا في مجتمع متعدد الأديان والثقافات وفي وضع سياسي خاص .
وأكد الدكتور جريس سعد خوري في جلسة الافتتاح أن المؤتمر لم يعقد من منطلق عنصري وفئوي، بل ان من أهدافه تقوية الوحدة الوطنية والعيش المشترك وهذه هي رسالة مركز اللقاء منذ أن تأسس عام 1982، وأضاف أن نتائج الاستفتاء الذي أجراه المركز عشية المؤتمر جاءت مذهلة ومقلقة، وتتطلب الحلول الضرورية.
استطلاع رأي الشباب المسيحي في الجليل يعكس تخبط وقلق الشباب وتناقضاتهم العديدة
احتلت مركز أعمال المؤتمر نتائج الاستمارة التي اشتملت على 96 سؤالا وقام بتعبئتها أكثر من 420 شاب وشابة مسيحيين من مدن وقرى الجليل. تناولت أسئلة الاستمارة مواضيع سياسية واجتماعية وتربوية ودينية، قام بقراءة نتائجها وتحليلها كل من الباحثين الدكتور جريس سعد خوري والدكتور برنارد سابيللا، ومن أهم نتائج الاستمارة التي أثارت اهتمام الحضور أن أكثر من 70% قالوا بأنهم يشعرون بالضياع ولا يوجد من يوجههم في الحياة، و96.1% يعانون من الشعور بضياع الهوية، و75.2% قالوا أنهم لا يشعرون بأي انتماء لأي جهة دينية أو كنسية. وقال 59% بأن المدارس الأهلية لا تعلم أي شيء عن العرب المسيحيين وعن الحضارة العربية المسيحية قبل وبعد الإسلام، وقال 68% أنهم لم يتعلموا عن العرب المسيحيين في مدارسهم؛ وقال 92% أنهم لم يتلقوا أي مساعدة من المؤسسات الكنسية خلال تعليمهم الجامعي.
وعلى صعيد العلاقات مع الدولة والطوائف الأخرى أجاب 65,5% بأن مستقبلهم غير مضمون بسبب طبيعة الدولة العنصرية، ورأى 46,7% أن الدولة عائق أمام اندماجهم فيها. ورأى 78,4% أن العلاقة اليومية مع اليهود ضعيفة جدا، ورأى 86% أن العلاقات مع المسلمين والدروز قد ساءت في السنوات الخمس الأخيرة، ورأى 70,7% أنهم ليسوا شركاء مع الدروز في السراء والضراء بينما رأى 59% ذلك بالنسبة للمسلمين، ويعتقد 61% أن التعصب ناجم عن جهل كل طرف بالطرف الآخر.
وعلى صعيد العملية السلمية أعرب 90.7% من الشباب المسيحي عن تأييده لها، وأعرب 92,4% عن اعتقاده بأن المنطقة مهددة باضطرابات وحروب بدون حل سياسي، ورأى 56,4% بأن القدس يجب أن تكون عاصمة دولية.
أما بالنسبة للهجرة فان 71,6% قالوا بأنهم لا يفكرون بالهجرة من البلاد، مقابل 28,4%، وأعرب 70% عن رأيهم بأن الصحافة الاسرائيلية تعمل على تأجيج المشاعر والخلاف بين الأطراف المختلفة.
وعن تعريف مركبات الهوية للشاب المسيحي فقد قال 45,5% بأنهم يضعون المركب المسيحي أولا، 29,9% قالوا بأنهم يضعون المركب العربي ثانيا، و9,7% يضعون المركب الفلسطيني ثالثا.
محاضرات ومداخلات عميقة حول دور ومساهمة المسيحيين العرب في الحياة العامة
واشتمل المؤتمر على عدد من المحاضرات والمداخلات التي تميزت بالعمق والجدية، قدمها عدد من الباحثين والأكاديميين وعكست مساهمة العرب المسيحيين في مجالات الحياة العامة، ودور المؤسسات المسيحية في المجتمع.
وكانت المحاضرة الأولى لسيادة المطران بولس ماركوتسو عن الأدب العربي المسيحي القديم، ومساهمة الأدباء العرب القدامى في الحضارة العربية، ومما قاله بأن هناك أعلام في الثقافة والحضارة العربية أصولهم ليست عربية، لكنهم عرب بالانتماء واللغة والثقافة. وقدم الدكتور جوني منصور محاضرة عن دور العرب المسيحيين في السياسة والاقتصاد في العهود التركية والانجليزية والإسرائيلية، أكد فيها أن القسم الأكبر من المسيحيين في الجليل متمسكون بعروبتهم وقوميتهم وتصدوا للغزو السياسي والعسكري والثقافي، ولهم دور بارز في ذلك وقد قام بتفصيله في المحاضرة. وقدمت الآنسة ابتسام المعلم مداخلة عن دور العرب المسيحيين في المجال التربوي منذ بداية الاستيطان الصهيوني وحتى اليوم. اما الأديب حنا أبو حنا فقد تكلم عن دور العرب المسيحيين في الأدب والثقافة وتعرض للنشاط الأدبي وخاصة لدى الرواد منهم وتوقف عند نجيب نصار وخليل بيدس ونجوى قعوار وغيرهم. أما الأستاذ زياد شليوط فقد تحدث عن مساهمة العرب المسيحيين في الصحافة وأكد على أن الصحافيين العرب المسيحيين قد لعبوا دورا رياديا في محاربة الاستيطان الصهيوني ونشر الوعي الوطني والقومي ونبذ الطائفية على اختلاف العصور، لكن دورهم تراجع في العقود الثلاثة الأخيرة لأسباب مختلفة استعرضها في مداخلته. وقدمت الآنسة الهام مرشي مداخلة حول دور الكنيسة المحلية والمؤسسات الرهبانية في تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية، وعددت تلك المؤسسات وما تقدمه من خدمات.
وعلى صعيد العلاقات المشتركة تحدث الأب د. فوزي خوري عن تواصل العرب المسيحيين مع الغرب، استعرض من خلالها تجارب التواصل ونوه الى أن تعيين أول بطريرك عربي لاتيني فتح آفاقا أمام هذا التواصل وكذلك زيارات البابوات للأراضي المقدسة. وقدم الباحث د. شكري عراف محاضرة عن العلاقة مع أبناء الديانات السماوية عشية وبعد قيام اسرائيل، فاستعرض ما تعرض له أبناء الشعب الفلسطيني من تشريد وتهجير في عام النكبة، ودور القرى الدرزية في ايواء المهجرين. وكشف الباحث ناصر شقور عن محاولة تهجير مسيحيي الجليل في بداية عهد إسرائيل، من خلال سرد عملية “يوحنان” التي هدفت إلى تهجير أهالي قرية الجش إلى الأرجنتين وشراء أراضيهم، تلك العملية التي باءت بالفشل نتيجة تراجع الأهالي عن بيع أراضيهم، وذلك اعتمادا على مذكرات فايتس، رئيس الكيرن كييمت لفترة طويلة.
الندوة الختامية
وكانت ختام أعمال المؤتمر ندوة عامة بحثت تحديات الشباب وإمكانيات العمل أمامها، شارك فيها سيادة المطران الياس شقور، الذي تحدث عن تجربة عمله مع الشباب وتجربة مخيمات الكتاب، ثم إقامة مدرسة مار الياس الثانوية التي تحولت إلى كلية ثم جامعة. وتلاه الدكتور حاتم خوري الذي تناول دائرة الحياة المتمثلة في تربية الأبناء وتحديات مراحلها، متوصلا إلى ضرورة إقامة المؤسسات لضمان مستقبل أبنائنا. بعدها تحدث القس فؤاد داغر الذي قدم مثالا من الإنجيل عن قلة الإيمان ، منتقدا تخلف الكنيسة في أحيان كثيرة عن ركب التطور التكنولوجي لمخاطبة جمهور الشباب خاصة. وتلاه القاضي المتقاعد رائق جرجورة فاستعرض الصراع مع السلطة الإسرائيلية على هويتنا وحقوقنا مما يضع تحديات كثيرة أمامنا جميعا كعرب وليس أمام الشباب المسيحي فقط، وطالب إلى الانتباه إلى هجرة المثقفين العرب. وكانت المداخلة الأخيرة للمحامي عصام أبو نصار الذي قال بأن بحث مشاكل الشباب يعود على نفسه، موجها الانتقاد لمختلف الأطراف من كنيسة إلى مدرسة إلى مؤسسات، مطالبا بوضع مخطط استراتيجي متكامل لقضايا الشباب.
وشارك في إدارة الجلسات كل من: السيد جورج دبيني، الآنسة رولا حبيب، الآنسة روزلاند دعيم، د. شادي أبو خضرة والمحامية بادرة خورية. كما ساهم في القراءات التأملية كل من الأب د. لويس حزبون، السيد عامر البابا والآنسة أمل خورية.
توصيات المؤتمر
أنهى مؤتمر اللاهوت والكنيسة المحلية، بعنوان “الشباب العربي المسيحي في الجليل، إلى أين؟”، أعماله يوم السبت الموافق 6 شباط 2010 في مدينة حيفا، والذي نظمه وأشرف عليه مركز اللقاء للدراسات الدينية والتراثية في الأرض المقدسة – فرع الجليل، بالمصادقة على عدد من التوصيات، التي قرأها الأستاذ يوسف مطر وجاء فيها:-
1. إشراك العلمانيين وبصورة فعّالة في المجالس الرعوية، وتنفيذ توصياتهم.
2. العمل على إشراك الشباب في مؤتمرات ونشاطات مركز اللقاء، ومأسسة الموضوع.
3. أرشفة وأبحاث مكتوبة ومبرمجة تكنولوجياً لكل ما يختص بالتراث العربي المسيحي.
4. المطالبة بتدريس الدين المسيحي والإسلامي في مدارسنا حتى مستوى البجروت وتأهيل المعلمين لهذا.
5. المطالبة من كل القادرين على التطوّع، أن يقدموا ما يستطيعون في الكنائس المختلفة وتفعيل نشاطات هذه الكنائس.
6. العمل على تأسيس جامعة يكون التراث العربي بما في ذلك الحضارة العربية الإسلامية والمسيحية والسياحة الدينية محاور رئيسية فيها.
7. أن يعمل مركز اللقاء في الجليل على عقد حلقات دراسية دائمة، تبدأ بدراسة الاستمارة الخاصة بالشباب بما يتعلق بالتربية والعلاقة مع الآخر والمدارس والجامعات، الإعلام والصحافة والحلول السياسية.
8. متابعة هذا المؤتمر ونتائج البحث الميداني في مؤتمر مسيحي إسلامي درزي يهودي في الجليل، لعرض النتائج ولمناقشتها والتفكير معاً بوضع خطة عمل لتقوية الوحدة والعلاقات الاجتماعية والعيش المشترك.
9. توعية وتعميق مسئولية الأهل في العمل الدؤوب لتربية أولادهم وتثقيفهم في جميع المجالات العلمية وحتى التعليم العالي، لأن قوتنا تنبع من رفع مستوانا التعليمي الذي هو بقاؤنا.
10. العمل على مراجعة المناهج التعليمية في موضوع التاريخ والتراث بشكل خاص لتتناسب مع جمهور السكان المسيحيين والمسلمين في هذه البلاد؛ وتسمية بعض المؤسسات التعليمية بأسماء عربية مسيحية مشهورة.
وفي الختام شكر الدكتور جريس سعد خوري، كل الذين شاركوا وساهموا في إنجاح المؤتمر سواء بالحضور أو بتقديم المحاضرات والمداخلات. ويذكر أن المؤتمر أقيم في دير مار الياس على جبل الكرمل (ستيلا مارس)، على مدار ثلاثة أيام من الخميس- السبت، 4-6 شباط الجاري، وحضره عدد من الباحثين والأكاديميين والمهتمين من أبناء منطقة الجليل وحيفا، إضافة إلى رجال الدين وخاصة غبطة البطريرك ميشيل صباح، الذي رافق أعمال المؤتمر على مدار أيامه الثلاث وسيادة المطران الياس شقور، أسقف الروم الكاثوليك في الجليل وسيادة المطران بولس ماركوتسو، النائب البطريركي اللاتيني العام في اسرائيل وسيادة المطران بطرس معلم والأب عطاالله مخولي والأرشمندريت الياس عودة والأب سليم سوسان والقس فؤاد داغر وعدد كبير من الكهنة والراهبات والعلمانيين من جميع الكنائس.