يعود مركز اللقاء باستمرار إلى موضوع الحوار لتعميق مفاهيمه في ضوء المستجدات التي تطرأ عليه، لقناعته أن الحوار هو الطريق الأصعب، ولكنه يؤدي إلى الحياة، بينما يشكل التصادم الطريق الأسهل، ولكنه يؤدي إلى الموت: الحوار أو الموت. والحوار متعدد الأطراف: فهو حوار مع الله، ومع الذات، ومع الآخرين، وما يتفرع عنه من حوار بين الأديان والثقافات والشعوب. وجميع هذه الأشكال من الحوار مرتبطة في ما بينها ويؤثر الواحد منها على الأشكال الأخرى من الحوار.
ومن الملاحظ اننا نشهد حراكا حواريا واسعا في عالم اليوم، وفي كل الاتجاهات. أمّا الجديد، في الفترة الأخيرة، فهو دخول أهل السياسة على خط الحوار بين الأديان. وهذا ما وصل إلى قمته في الاجتماع الذي دعت إلية هيئة الأمم المتحدة، والذي اشترك فيه، بشكل نموذجي سياسيون، مثل جورج بوش، وشيمون بيريس، والملك عبد الله. ولهذا الواقع دلالاته: فهو، أولا يبين أن الأديان عادت إلى الساحة الدولية لتكون عنصرا فاعلا ومهما في إدارة شؤون العالم اليوم، وهو واقع لا يمكن الالتفاف عليه. والدلالة الثانية هي أن القضايا التي تشغل بال البشرية اليوم هي، بالأساس، قضايا سياسية. فمن الطبيعي أن يدخل السياسيون على خط الحوار بين الأديان، ليروا فيه طريقا لحل هذه القضايا السياسية الشائكة.
ولكن دخول السياسيين على خط الحوار بين الأديان لا يخلو من إشكالية، وهي استغلال أهل السياسة للحوار بين الأديان لتمرير أجندتهم السياسية. وهنا يمكن أن نميز بين الأجندة الظاهرة والأجندة الخفية. فالأجندة الظاهرة هي الحوار بين الأديان، بينما تكمن الأجندة الخفية في محاولة الأطرف لاستغلال هذا الحوار لتسجل نقاط سياسية تنسجم مع غاياتهم ومآربهم السياسية، وهو ما ظهر بشكل واضح في خطاب بوش وبيريس والملك عبد الله. وهذا ما يجعل الكثيرين يرتابون من تدخل السياسيين في هذا المجال الديني، حيث يخافون من إفساد هذا الحوار لتدخل السياسة فيه. وهذا ما يدعو إلى أخذ الحيطة والحذر كي لا نقع في الفخ فيبتعد حوار الأديان عن غاياته الأساسية، وهي التقارب بين البشر في سبيل الإعداد لمستقبل أفضل.
يبقى الحوار بين الأديان صعبا وشاقا وطويلا. ولكنه يبقى طريق المستقبل.