Home أرشيف المركز2008 أ.د. عزيز حيدر الوضع الراهن في إسرائيل وفرص الحل السياسي

أ.د. عزيز حيدر الوضع الراهن في إسرائيل وفرص الحل السياسي

7 آذار 2008

by mPeNDayu
187 views

هذا العام، 2008، تكون قد مرت على إسرائيل 60 عام منذ قيامها. لذلك فإن وصف وتحليل الوضع الذي وصلته في المجالات المختلفة ينطوي على أهمية كبيرة. فيما يلي نقدم عرضاً لوضع إسرائيل في أهم أربعة مجالات ثم نقوم بعد ذلك بتقييم عام نحاول من خلاله الإجابة على السؤال حول فرص الحل السياسي.

أ‌) الوضع الأمني:

شكل الأمن دائماً الغاية الأهم لإسرائيل وهو وضع طبيعي خاصة في دولة مهاجرين مستوطنين. بعد ستين عاماً نجد أن الوضع ألأمني أصبح أكثر تعقيداً بكثير مما كان خلال كل السنوات السابقة. تاثر هذا التعقيد بالأساس من تغيرات عميقة في الأوضاع الداخلية والمتغيرات الخارجية وأهمها على مستوى منطقة الشرق الأوسط. أبرزت حرب لبنان الثانية وإطلاق الصواريخ من قطاع غزة نقطة الضعف الأساسية التي تعاني منها إسرائيل اليوم وهي تهديد الجبهة الداخلية خاصة في المنطقة الشمالية، على الحدود اللبنانية، وفي الجنوب، خاصة مدن سدروت وعسقلان ومستوطنات “غلاف غزة”. تحول هذا التهديد إلى مشكلة واقعية ملموسة ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية ولكن الأهم من ذلك الأبعاد الأمنية. فإسرائيل حافظت على القاعدة والاسترتيجية التي تنحو أن الحرب يجب أن تدور في أرض العدو واستبعاد الجبهة الداخلية عن أحداثها ومخاطرها بكل ثمن. لكن ما حدث في العامين الماضيين أن الخطر الحقيقي انتقل إلى المستوطنات الواقعة على الحدود الشمالية والجنوبية بينما الدولة والجيش الإسرائيلي غير مهيئين لمواجهة مثل هذا الخطر ومثل هذه الحرب. من هنا فإن الوضع الجديد يجبر الجيش على تغيير في مفهوم الأمن ويترتب على ذلك مباشرة التغيير في نظرية الأمن والبحث عن وسائل لمواجهة نوع الحرب الجديدة.

كان من نتائج عجز الجيش عن مواجهة هذا النوع من الحروب والتهديد الحقيقي للمستوطنات الحدودية، وخاصة في حرب لبنان الثانية، اهتزاز مكانة الجيش وهبوط قيمته في نظر المجتمع الإسرائيلي. ولكن بالحقيقة كان هذا التحول في مكانة الجيش قد بدأ في سنوات سابقة بعد أن تحولت مهمته من الحرب ضد جيوش دول إلى شرطة في جنوب لبنان وشوارع المناطق المحتلة وعلى الحواجز. كذلك تأثرت هذه المكانة بتحول الغربيين إلى تفضيل العمل الاقتصادي والغنى على الخدمة في الجيش والارتفاع المستمر في أعداد المتهربين من الخدمة العسكرية والتسامح في إعفاء الكثيرين من الخدمة. كان من نتائج تحول هذه المواقف من الخدمة وكذلك بسبب تطورات ديموغرافية التحولات العميقة في تركيبة الجيش وخاصة على مستوى شريحة الضباط والقيادة. فمن الملاحظ أن ثلاثة فئات بدأت تبرز في هذا المستوى: الشرقيون والمهاجرون الروس والمتدينون القوميون. تجد هذه الفئات في الجيش وسيلة وقناة حراك مهنية واقتصادية هامة ترفع من مكانتها الاجتماعية. ولهذا السبب بالذات يمكن طرح التساؤل حول مصلحة هذه الفئات في المحافظة على مكانة عالية للجيش، كتعبير عن مكانتهم، عن طريق منع أي حل للقضية الفلسطينية وإبقاء وضع النزاع على حاله وحتى شن حروب جديدة.

هذا التغير في تركيبة الجيش وقيادته حدث في فترة ما زال الجيش يعتبر “جيش الأمة” بسبب الخدمة الإجبارية المفروضة على الجميع دون استثناء. واستمرار هذا الوضع يتناقض تماماً مع فكرة تحويل الجيش إلى “جيش مهني محترف صغير وذكي”، التي بدأ تطبيقها بخطوات بطيئة في التسعينيات. ويلاحظ أن إسرائيل تعيش تناقضاً واضحاً في هذا المجال: من جهة هناك مطالبة من فئات كبيرة، خدمت وتخدم في الجيش، بتطبيق قانون الخدمة الإجبارية على الجميع. من جهة أخري فإن حرب لبنان الثانية كشفت عن حقيقة أن جيش الاحتياط أصبح مترهلاً وتحول إلى عبء ولذلك يفضل التسريع في تشكيل الجيش القائم على المهنية والاحتراف. وعلى كل حال فإن التراجع في نسبة الملتحقين بالخدمة العسكرية هو أحد المؤشرات على تراجع الجمعانية التي ميزت المجتمع الإسرائيلي ومن هنا تراجع التضامن الاجتماعي في معظم مجالات الحياة، كما سنبين لاحقاً. ونذكر فقط بهذا الصدد خصخصة المشاعر في إسرائيل التي تبدو واضحة في حالات ضحايا الحرب من جنود ومدنيين.

وننتقل إلى قضية هامة تتعلق بتلاشي الردع الإسرائيلي إثر حرب لبنان الثانية ومن هنا الضرر بسمعة الجيش واضطراره إلى الدخول في نقاشات كان يترفع عنها في الماضي بسبب مكانته العالية.

فيما يتعلق بالوضع الإقليمي يمكن الإشارة إلى تطورات هامة على المستوى الفلسطيني والأنظمة العربية وإيران. فقد شهدت الساحة الفلسطينية صراعاً داخلياً أدى إلى انفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية بشكل عملي. ويبدو أن هذا الانفصال ليس مؤقتاً لا سيما أنه يخدم مصلحة إسرائيل وهي جادة في العمل على تخليده. لا شك أن الانشقاق في صالح إسرائيل ويمنحها الفرصة في الاستفراد بالفلسطينيين في الضفة الغربية وتعزيز الاستيطان ومنع إقامة دولة فلسطينية. من جهة أخرى فإن إسرائيل تخسر فرصة وجود طرف فلسطيني يمكن التوصل معه إلى أي نوع من الاتفاقات التي تخدم مصالحها. في هذه الحالة فإن الحديث عن حل للقضية الفلسطينية يصبح نوعاً من العبث السياسي.

من جهة أخرى فإن أهم مكسب استراتيجي يدعم أمن إسرائيل في المنطقة هو موقف الأنظمة العربية من جماعات المقاومة ضد إسرائيل. فهذه الأنظمة وقفت موقفاً غير مسبوق إلى جانب إسرائيل في حربها ضد حزب الله في لبنان وكذلك ضد حركة حماس. يمكن الادعاء أن هذه المواقف ليست جديدة ولكن الحقيقة أن هذه المواقف كانت في السابق “سراً” وتحولت حالياً إلى مواقف علنية. وليس هناك شك أن الأنظمة العربية ترى بالحركات الإسلامية عدوها الأول ولذلك تتحول إسرائيل ضمنياً إلى حليف طبيعي ضد هذه الحركات. وليس من المستبعد أن هذه الأنظمة ترى في إسرائيل القوة التي تحميها من تعزيز قوة الحركات الإسلامية ولن يكون مستغرباً إذا تبين أنها تنسق مع إسرائيل في حربها ضد حركات المقاومة. لكن المهم في هذا الموضوع أن إسرائيل ضمنت تحييد الأنظمة العربية في الصراع وهو مكسب استراتيجي أمني هام جداً. من جهة أخرى فإن إسرائيل تشعر بالتهديد بسبب احتمالات تطوير إيران أسلحة نووية وهي تكرس مجهوداً كبيراً ووسائل كثيرة في محاولة منع إيران من تطوير هذه الأسلحة.

الوضع الدولي ما زال في صالح إسرائيل امنياً بسبب الدعم الأمريكي والأوروبي. إلا أنه هناك بوادر لاتخاذ روسيا مواقف مختلفة عما هي الآن بسبب خلافاتها مع الولايات المتحدة حول نصب صواريخ حلف الأطلسي في أوروبا الشرقية.

بشكل عام هناك شعور في إسرائيل أن الخطر الوجودي لم يعد خطراً ملموساً رغم بذل المجهود الإعلامي المكرس لإثبات استمراره. ولكن التهديد تحول إلى المستوى الشخصي الناتج عن تهديد المستوطنات الإسرائيلية خاصة على الحدود الشمالية والجنوبية.

ب‌) الوضع الاقتصادي:

يمكن أن نعزو جزءاً كبيراً من السلوكيات اإسرائيلية في المجال السياسي والأمني إلى الشعور بالأمان الاقتصادي. فوضع الاقتصاد الإسرائيلي يعتبر حالياً أفضل وضع في تاريخ إسرائيل. بالإجمال حقق الاقتصاد الإسرائيلي معدلات نمو عالية منذ عام 2003: وصل معدل النمو إلى 5.1% في العام 2007 وارتفع معدل دخل الفرد بشكل كبير وكذلك القيمة الشرائية للشيكل. وتعتبرالعملة الإسرائيلية اليوم واحدة من أقوى 15 عملة في العالم. ويلاحظ أن هناك زيادة كبيرة وتسارع في الحركة الاقتصادية تتمثل في زيادة التصدير، خاصة منتوجات التكنولوجيا المتطورة، وزيادة كبيرة في الاستيراد وكذلك في الاستثمار. انعكس هذا التطور بشكل خاص في هبوط مديونية الدولة بشكل بارز وهبوط معدلات البطالة والفقر في العام المنصرم. رغم التحسن في الوضع الاقتصادي على المستوى العام فإن التطورات الاقتصادية في الاتجاه النيو-ليبرالي وتحول السياسات الاجتماعية تتسبب في عجز أعداد كبيرة من الإسرائيليين عن مواكبة الارتفاع في مستوى الحياة. هذا الوضع يعتبر نقطة ضعف في المجتمع الإسرائيلي ويأثر سلبياً على التضامن الاجتماعي كما سنبين في الجزء التالي.

ج) الوضع الاجتماعي:

كما أسلفنا في الفقر السابقة فإن الفجوات الناتجة عن توزيع الدخل وتركز الاقتصاد بأيدي قليلة ينتج ضعف التضامن الاجتماعي، خاصة في ظل انحسار دور الدولة في الخدمات الاجتماعية. هذه الفجوات في الملكية والدخل تضع إسرائيل في مصاف الدول التي تتميز باللامساواة. ويلاحظ بشكل واضح أن هذه الفجوات بين الشرائح الاجتماعية المختلفة هي على أساس جغرافي وإثني: أي أن سكان المناطق البعيدة عن مركز البلاد هم أكثر فقراً من سكان المركز والساحل وغالبيتهم من الشرقيين. يؤدي ذلك إلى هجرة متواصلة من الأطراف إلى المركز مما يعني تفريغ هذه الأطراف من القوى العاملة المتعلمة وذات المهارات العالية وبقاء السكان الأكثر فقراً وغير القادرين على الالتحاق بسوق العمل وكبار السن.

ارتبطت قضية الفجوات الآخذة بالتوسع بين الشرائح الاجتماعية والمناطق الجغرافية بالمعاناة من الوضع الأمني خاصة في السنوات الأخيرة وبشكل أكثر حدة منذ حرب لبنان الثانية. فسكان المناطق التي تعرضت وتتعرض للقصف في الشمال والجنوب معظمهم من الشرقيين. ولذلك ارتبط التذمر من سياسة التمييز الاقتصادية والاجتماعية بالادعاء بإهمال هذه المناطق أمنياً وتعرض سكانها للخطر والخسارة المادية. هذه الأوضاع تعمق الشرخ الإثني القائم في المجتمع الإسرائيلي وتدفع أعداد كبيرة من سكان المناطق الهامشية للهجرة إلى المركز.

إضافة للشرخ الإثني يطفو على السطح بوتيرة كبيرة الشرخ بين المتدينين وغير المتدينين.ومن الملاحظ أن الخلافات بين المعسكرين تدور حول نفس المواضيع منذ فترة الاستيطان ولكن تختلف تعبيراتها حسب القضايا المطروحة. فالخلاف الأساسي حول تعريف من هو اليهودي ما زال قائماً ويعبر عنه في السنوات الأخيرة في الخلاف حول هجرة غير اليهود وعملية التهويد. بعض المتدينين يعارض الهجرة تماماً (مثل حركة شاس) وبعضهم يصر على إتباع التهويد حسب الشريعة بينما الطرف الثالث على استعداد أن يقبل بأساليب تهويد سهلة مفضلاً القضية القومية على الشريعة. يلاحظ بشكل خاص أن الصهيونية المتدينة تتنازل في قضايا الشريعة بينما تتشدد في القضايا السياسية القومية. إن الخلاف حول الهجرة والتهويد يتم التعبير عنه بشكل بارز في محاولات الأطراف المعنية بإجراء تعديلات على قانون “العودة” تلائم مواقفها. ولكن أثر الهجرة على المجتمع الإسرائيلي يتعدى القضايا الدينية بسبب مدلولاته الديموغرافية. فالعدد الكبير من المهاجرين غير اليهود والعدد الكبير من العمال الأجانب يؤدي إلى إضعاف الصبغة اليهودية للدولة. وهذا يتسبب في تصعيد المشكلة الديموغرافية ويؤثر على المواقف من الحلول السياسية المطروحة وكذلك يسبب التقوقع الجغرافي والرمزي في الدفاع عن النفس من خطر فقدان الدولة لصبغتها. لذلك بعكس الانفتاح الاقتصادي والثقافي بتأثير العولمة يلاحظ أن إسرائيل تبنت أسلوب بناء الجدران التي تفصلها عن الفلسطينيين. وبدأ اليهود يطبقون نفس الطريقة في داخل إسرائيل كما حدث في مدن اللد والرملة والعزل بين مدينة قيسارية وقرية جسر الزرقاء. كما أن التشديد على يهودية الدولة بدأ يشغل حيزاً كبيراً في الخطاب اليومي، خاصة على المستوى الأكاديمي والإعلامي وفي النقاش الحاد حول دستور الدولة وقوانينها. ووصل الأمر إلى حد مطالبة رئيس السلطة الفلسطينية بالاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.

يشير ما ذكر في هذا الجزء إلى زيادة تعقيد القضايا الاجتماعية وتعمق الشروخ المختلفة وتحول جزء غير قليل منها إلى قضايا هامة في تحديد مواقف الجمهور والقيادات السياسية، والأهم من ذلك الخلط بين هذه القضايا وبين قضايا العلاقات الخارجية والأمن مما يجعل حل القضية السياسية في كثير من الأحيان منوطاً بالمساومات والتسويات في القضايا الداخلية.

د) الوضع في الحلبة السياسية:

قد يكون عدم تحمل رئيس الوزراء المسؤولية عن حرب لبنان بالمعنى العملي من أهم المؤشرات على التحولات التي تحدث على مستوى العمل السياسي في إسرائيل. فتحمل المسؤولية وحساسية السياسيين للرأي العام في إسرائيل كانت من خصائص النظام السياسي. لكن استمرار رئيس الوزراء وأعضاء حكومته في الحكم دون دفع ثمن شخصي لطريقة اتخاذ قرار الحرب ونتائج الحرب على لبنان وكذلك تراجع وزير الدفاع (براك) عن نيته بالاستقالة بعد إعلان نتائج تقرير فينوغراد هي مؤشرات على أن العمل السياسي قد فقد صبغته الأيدلوجية وتحول إلى مهنة وأن المصالح الشخصية أصبحت هي الأساس في اتخاذ القرارات وإدارة شؤون الدولة. كما أنها مؤشر واضح على تغير القيم في المجتمع الإسرائيلي: فالاحتجاج على سلوك الحكومة ورئيس كان شبه معدوم بالمقارنة مع حركات الاحتجاج بعد حرب تشرين 1973 وحرب لبنان الأولى 1982 وحتى الاحتجاج أثناء الانتفاضة الفلسطينية الأولى.

إن تركيبة حكومة اولمرط لا تسمح باتخاذ أي قرار بشأن الحل مع الفلسطينيين. فالمصالح الحزبية والشخصية تطغى على المصالح العامة والهدف الأساسي لكل طرف هو المحافظة على مصالحه ومكانته. حزب شاس غير معني بالانسحاب والتواجد خارج الحكومة لما يتمتع به من موارد اقتصادية ضرورية لإدارة مؤسساته وخدمة جمهور مصوتيه. لكنه يتأثر بالمواقف القومية المتشددة لهؤلاء المصوتين ويحاول ألا يكون الحزب الأخير الذي يبقى في حكومة أولمرط في حالة قرر إيهود براك الانسحاب منها لأنه سوف يتهم بمساعدة حكومة فاشلة في البقاء مقابل تحقيق مكاسب مادية. أما حزب العمل بزعامة براك فله مصلحة مماثلة: ألا يبقى الأخير الذي يدعم الحكومة في حالة قرار شاس بالانسحاب. ولكن براك يعيش حالة حساسة من التناقض: فهو معني بأن يكون السبب في إسقاط الحكومة حتى لا يتهم بدعم حكومة فشلت في الحرب. لكنه، من جهة أخرى، معني ألا يصل إلى الانتخابات القادمة دون تحقيق إنجاز يحسب لصالحه يوم الحساب. والإنجاز الوحيد المكن، بطبيعة وظيفته، هو في المجال الأمني. لكن هذا الإنجاز لم يتحقق بسبب صعوبته في المرحلة الحالية مما يجعلنا نعتقد أن براك قد يكون أخطر وزير دفاع عرفته إسرائيل في حالة قراره بتحقيق إنجاز عسكري بكل ثمن. لكن هذا الأمر يتطلب استخدام الجيش في مغامرات قد لا يكون مستعداً لخوضها بسبب الحساسية الشعبية وبسبب حساسية موقف رئيس الأركان الذي لا يرغب بخوض أية مغامرة نتائجها غير مؤكدة في ضوء تجربة حرب لبنان ومصير رئيس الأركان الذي سبقه.

ما يزيد من المعضلة التي تعيشها إسرائيل حالياً أن عملية تؤدي إلى إسقاط حكومة حماس في غزة ليست في مصلحتها. فمصلحتها الحقيقية في فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية لإضعاف الفلسطينيين والاستفراد بحكومة فلسطينية ضعيفة في الضفة الغربية. وهي مستمرة في تكثيف الاستيطان مما يضعف الطرف الفلسطيني المفاوض وفي نفس الوقت يضعف فرص الحل على أساس إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. وقد توصل الكثير من المحللين إلى نتيجة أن حل الدولتين أصبح صعباً وحتى غير ممكن مما يجعلهم يطرحون من جديد حل الدولة الواحدة ثنائية القومية. هذا الطرح ينافي تماماً، بالطبع، مصلحة إسرائيل التي قامت على أساس أنها دولة اليهود والقضية الديموغرافية تزعجها وتجعلها تعيش حالة تخوف دائمة. كما أسلفنا هذا التخوف يشكل الخلفية للتشديد على يهودية الدولة وحتى أنه استخدم في تفسير قرار الانسحاب من قطاع غزة وإخلاء المستوطنات.

مجمل الوضع أن إسرائيل تتواجد اليوم في وضع صعب على مستوى اتخاذ القرار في القضايا السياسية وهي غير مؤهلة لذلك، خاصة إذا أضفنا حقيقة أن القوى المعارضة لأي حل سياسي بإمكانها إجهاض أي حل. في نفس الوقت فإن القوى المعارضة للحل في الشعب الفلسطيني هي أيضاً قادرة على إجهاض أي حل. كذلك فإنه على خلفية حرب لبنان والحرب التي تشنها حماس في الجنوب فإن إسرائيل مجبرة لأول مرة منذ قيامها بتغيير مفهوم الأمن وعليه يترتب تغيير عميق في نظرية الأمن واستراتيجية الدفاع والحرب. ومما يعقد الأمور في إسرائيل هو التداخل والتشابك بين القضايا الداخلية والقضايا الخارجية، مضافة لها المصالح الشخصية للسياسيين التي أصبحت أهم أسباب تحديد المواقف. هذا الوضع المعقد في إسرائيل يمكن أن تتعايش معه فقط في حالة عدم وجود ضغوط خارجية عليها. ولكن الواقع غير ذلك: فالقوى المقاومة تعزز من قواها وتجدد في أنواع أسلحتها وتكتيك موجهتها. والغرب معني بالهدوء في المنطقة والتوصل إلى حلول سياسية. كما أن الأنظمة العربية التي وقفت وتقف إلى جانب إسرائيل ترى مصلحتها في التوصل إلى أي حل يجنبها تصاعد قوى المعارضة وخاصة الحركات الإسلامية. هذا مع أن الأخيرة يمكن أن تشجع إسرائيل على خوض حرب ضد هذه الحركات للقضاء عليها دون أن تكلف نفسها بمثل هذه المهمة، التي يمكن أن تكون عاجزة عنها.

إن الوضع الإسرائيلي المعقد والمصالح الشخصية لوزير الدفاع وتعزيز قوى اليمين المتطرف، من المتدينين والعلمانيين، ودعم الأنظمة العربية والنظام الأمريكي، يمكن أن يدفع في اتجاه استخدام المزيد من القوة من جانب إسرائيل لا سيما وأن وضعها الاقتصادي يسمح بذلك. أما العقبة الوحيدة أمام هذا التوجه فهو أن إسرائيل لن تخوض مغامرات غير متأكدة من نتائجها على الأقل لاستعادة الردع الذي فقدته في العامين الماضيين.

Related Articles