ندوة تربوية بعنوان “التربية والعيش المشترك”،
قاعة دير راهبات الناصرة-جمعية سوا
بدعوة من “مركز اللقاء- فرع الجليل” عقدت يوم الأحد الماضي (30/9) ندوة تربوية هامة بعنوان “التربية والعيش المشترك”، في قاعة دير راهبات الناصرة-جمعية سوا، شارك فيها الدكتور جريس سعد خوري، مدير مركز اللقاء والمربي- الكاتب، فتحي فوراني والمربي -الصحافي حاتم حسون وأدارها المربي زياد شليوط، عضو إدارة فرع الجليل لمركز اللقاء. واستهلها بالقول “الصيام لا يهدف إلى الامتناع عن الطعام والشراب فحسب، بل الامتناع عن الرذيلة والابتعاد عن السيئات والمباذل، ويهدف إلى تهذيب القلوب والنفوس، وهذا ما تجمع عليه الديانات السماوية.” وعن موضوع الندوة قال: “عن أي عيش نتحدث وماذا نقصد به: هل هو عيش المناسبات وتبادل التهاني وعبارات المجاملة المستهلكة، ومن ثم العودة إلى إيقاع حياتنا الروتيني؟ هل هو عيش البلدة التي تحولت إلى بلدات صغيرة، وكل بلدة /حارة فيها تغلق بابها على بيوتها وأبنائها، وتحسب نفسها أنها هي البلد والوطن؟ هل هو عيش المدارس بتوزيعها الجديد حيث باتت ملتقى لأبناء الحارة والحمولة والعشيرة، ولم تعد تجمع أبناء البلدة من مختلف الطوائف والعائلات، فباتت مصدر فرقة وتنابذ بدل أن تكون ملتقى تعارف وصداقة؟ هل هو عيش الأغلبية والأقلية، الحاكم والمحكوم، يمارس فيه الطرف الأول سلطته وجبروته ونفوذه، وينسحب الطرف الثاني نحو ذاته وبؤرته الضيقة؟”
وكانت المداخلة الأولى للأستاذ حاتم حسون، المحرر المسؤول لصحيفة “البيان”، فتحدث أولا عن مفهوم التربية فقال: “التربية، عملية اجتماعية في مضمونها وجوهرها، وأهدافها ووظيفتها ولا يمكن فصلها عن المجتمع، فهي تعبر عن حاجة المجتمع وحاجة الأفراد، وهي عملية طويلة الأمد، واسعة النطاق متشعبة الجوانب ومتداخلة العناصر تقضي بتوفير الشروط اللازمة لنمو الفرد نموا صحيحا سليما. وعندما نقول صحيحا نقصد النواحي الجسدية، النفسية، المعرفية، العقلية والأخلاقية وجذور التربية مرة كما قال أرسطو، ولكن ثمارها حلوة، وهي أول حاجة للشعوب بعد لقمة العيش.
“أقولها بكل صراحة، نحن مجتمع نتقن صف الكلام، وتنميقه، ولا تنطبق أقوالنا على أفعالنا في كثير من الأحيان. فنحن نتغنى بالعيش المشترك ونستعمل أشد أساليب العنف قسوة عندما نختلف لأتفه الأسباب. ينفصل أبناؤنا الطلاب بعضهم عن البعض الآخر في ساعة الدين لاختلاف الانتماء الديني لديهم، أي نقسمهم صغارا ونطلب منهم الوحدة كبارا. نطالب بثقافة الانفتاح والتسامح والتعليم المختلط، ثم نسمح بمدارس مقسمة جغرافيا وطائفيا. نؤكد أن الانسان المناسب يجب أن يكون في المكان المناسب، ثم نعلنها حربا عالمية إذا لم يتعين أحد الأقارب أو أحد أفراد العائلة. نفضل الأحزاب السياسية الجامعة ونقيم أحزابا وقوائم على اسس دينية وطائفية.”
ثم انتقل الأستاذ حسون ليتحدث عن العيش المشترك، فقال: “التعايش برأيي، بحاجة إلى معرفة وعلم ولا يستقيم مع الجهل وعدم المعرفة. ولا يستطيع أي مجتمع أن ينهض بغير المعرفة ولكنها قد ترتد إلينا وتنقلب علينا إذا لم ترتد ثوب الفضيلة. المدرسة والمربي مطالبان بفتح آفاق جديدة أمام الطلاب، غرس قيم قبول الغير والمختلف كمتساوٍ بدون مخاوف وعدوانية وبدون مشاعر استعلائية أو تحتية. فالمدرسة اضافة إلى رسالة التعليم هدفها خدمة مجتمعنا بكل فئاته للحفاظ على القيم الاجتماعية والدينية والسعي من أجل إعداد أجيال متحابة متقاربة تتفاعل مع بعضها من أجل مصلحة الجميع واحترام الجميع للجميع. وعلى رأس هذا الاحترام أن تحترم طوائفنا الثلاث. وأن تسعى دائما للدفاع عن هذا الشعار وتغذيته وتذويته بين الطالبات والطلاب وذلك عن طريق البرامج المتاحة والفعاليات المدرسية المتنوعة، وتغذي موضوع العيش المشترك العربي- اليهودي، ويجب أن تقرب وجهات النظر وفهم الواحد للآخر من أجل حياة أفضل.”
أما المداخلة الثانية فكانت للمربي الكاتب فتحي فوراني، الذي سرد خلالها ثلاث حكايات من تجربته الحياتية والتي لها علاقة مباشرة بموضوع العيش المشترك. وفي القسم الثاني قدم مبادرته العامة بكتابة منهاج لتدريس الدين لجميع الطلاب من مختلف الطوائف، حيث قال: “إسمحوا لي -أيها الأحبّة- أن أُشرككم في حلمي هذا..آملا أن يحركَ أصحابَ الضمير..والمخلصين من أبناء مجتمعنا..والحريصين على النسيج الاجتماعي والوطني..والذين يهمهم مستقبل شعبنا المرابط في أرض آبائه وأجداده..
من هذا الجو الرمضاني المبارك..أقترح على إخوتي في مركز “اللقاء” الذين بادروا إلى هذا اللقاء المبارك.. وعلى هذا الجمهور الكريم.. أن نبادر لتشكيل لجنة تعمل على التوجه إلى المسؤولين في المدارس الأهلية بشكل خاص والتي تحتضن أبناء شعبنا من جميع الطوائف.. وإلى المسؤولين في وزارة المعارف.. بأن يعملوا على بناء برنامج مشترك لدرس الدين..يُدرّس فيه الدينُ الإسلامي والدينُ المسيحي في آن واحد وتحت مظلة واحدة.. وبروح التثقيف المخلص على القيم الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية التي تدعو إلى احترام الآخر.. والتي تدعو إلى الخير والمحبّة.. لأن الله محبّة..
أن يتعلم الطالبان معًا درس دين مشتركًا.. كما يتعلمان المواضيع المدرسية الأخرى.. كاللغات والتاريخ والفيزياء والكيمياء والرياضيات.. إلخ
وهنالك كنز من تعاليم السيد المسيح والأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية الكريمة.. والقصص والحكايا والأقوال المأثورة والطرائف والنوادر والحكم الكثيرة التي تنطوي على قيم تربوية إنسانية شامخة.. تؤسس لشخصية عربية وطنية إنسانية واحدة.. وتعزز النسيج الاجتماعي والقومي لدى أبناء الشعب الواحد.. أبناء هذا الوطن الجميل.
وأقترح أن يساهم في بناء هذا البرنامج رجالُ الدين المتنورون والمربّون الحريصون على مستقبل أبنائنا وأحفادنا.. وأن يتمّ اختيارُ المعلمين المناسبين المؤمنين بهذه الرسالة.. وإعدادُهم إعدادًا جيدًا.. للقيام بهذه التجربة التي أعتقد أنها تجربة رائدة.. تنطوي على أبعاد هامة ودلالات عميقة.. وتحمل رسالة تربوية وطنية نبيلة.. قد يكون لها ما بعدها!”
أما المداخلة الأخيرة فكانت للدكتور جريس خوري، مدير مركز اللقاء الذي قال فيها: “كيف يمكن أن نكون على ثقة بالعيش المشترك، بينما تخلو المناهج التربوية مما يساهم في تعزيز هذا العيش واحترام الواحد الآخر؟ أقولها بصراحة كعربي مسيحي، أن الكتب التدريسية تخلو تقريبا من ذكر أي أمر أساسي عن العرب المسيحيين ودورهم في بناء الصرح العربي الحضاري الذي نفتخر به جميعا، فيشعر الطالب كأنه أجنبي لا علاقة له بتاريخه ومشاركته ووجوده، ولا يشعر أنه جزء من هذا الشعب وهذه الأمة.” وتابع د.خوري قائلا: “اليوم مع الانفتاح يزداد الجهل بجاري وقيمه الروحية، ويتحول الجهل إلى نوع من العداء، وهذه مصيبة، ومصيبة أكبر تكمن في مناهج التدريس، أما المصيبة الأكبر عندما نديّن أي خلاف اجتماعي هامشي، ونحوله من إطاره الاجتماعي الاعتيادي إلى إطار طائفي بغيض. نحن نعيش أزمة قيم في مجتمعنا، ومن هنا الدور الكبير الملقى على رجال التربية والمؤسسات الدينية ودور العبادة ووسائل الاعلام.” وانتهى إلى التعليق على اقتراح الأستاذ فوراني فقال: “اقتراح الأستاذ فتحي مقبول علي، وهو يشكل مبادرة وطنية آمل أن تنطلق من شفاعمرو، لأن هدفها الوحدة والألفة، ومركز اللقاء على استعداد لقبول المبادرة وتمويلها إذا دعت الحاجة، ودراستها موضوعيا وإعداد النصوص باشراف لجنة مختصة من لاهوتيين وعلماء دين تحاشيا لأي خطأ، ومن ثم الانطلاق نحو تطبيقها في المدارس.”
وبعد الندوة انتقل الجمهور إلى “المطعم الأهلي” حيث تناولوا وجبة الإفطار، وهناك ألقيت كلمات وتحيات ساهم فيها كل من الشيخ عبد السلام مناصرة، شيخ الجماعة الصوفية في الناصرة، فحيى اللقاء وتحدث عن المكتبة الصوفية التي تقام حاليا في الناصرة، ودعا الجمهور إلى زيارة المكتبة قائلا أن الصوفية هي للمسلمين والمسيحيين على السواء، وتابع “الانسان عندما يحب الآخر يعتبر الآخر نفسه هو. لكن لو فكرنا قليلا، في داخلنا آخر أيضا وهو الضمير، فلماذا لا نقرب الآخر منا. باعتقادي أن من يحب أبناء ديانته فقط لديه ضعف فهو لا يحب أبناء ديانته أيضا. وليس المطلوب أن يذوب الواحد في الآخر، بل أن يحترم كلٌ معتقد الآخر. من يقرأ القرآن يحبه ومن يقرأ الكتاب المقدس يحبه. من يحب الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يكره خلقه، ومن يحب البشر لا يمكن أن يكره أخاه.”
وتلاه المطران بطرس المعلم، الذي افتتح كلمته بالقول “عندما نسيس الدين أو نديّن السياسة فاننا نسيء لكليهما.” وتابع منوها أنه في مقالاته التي ينشرها في أكثر من منبر يركز على التقريب بين الاسلام والمسيحية، وتساءل: لماذا نترك للغريب مجالا لأن يدق الأسافين بيننا؟ وأشار إلى ما يقوله الانجيل المقدس للمسيحيين بأن أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى من يضطهدكم. وتابع “أول سؤالين وجههما الله تعالى للإنسان، كان الأول : أين أنت؟ وعندها توارى عنه آدم بين الأشجار. والثاني وجهه لقايين بعدما قتل أخاه هابيل فسأله: أين أخوك؟” وانتهى إلى التنويه إلى مبادرة الأستاذ فوراني معلنا تأييده لها.
وحضر جانبا من اللقاء النائب الشيخ عباس زكور، فحيى بكلمة قصيرة قال فيها: “الرسول خاطب المسلمين قائلا عنهم أنهم نصف أهل الجنة، هذا لفت نظري وجعلني أتساءل عن النصف الآخر وتوجهت لعلماء الدين، وكان الجواب في القرآن في سورة آل عمران، بأن النصف الآخر هم كل من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا من غير المسلمين. هذا الكلام يجب أن يترسخ في أذهان الناس فهناك دائما آخر يجب ويمكن أن أعيش معه.”
المربي الشاعر ماجد عليان ألقى قصيدة “حكاية الأديان”، الأستاذ صالح الشيخ، مسؤول التعليم الدرزي والشركسي في وزارة المعارف علق على ما جاء في الندوة قائلا أن المدارس الدرزية تعلم عن جميع الأنبياء والأديان وتحترمهم، وأن الطالب المسلم لا ينال البجروت دون أن يجتاز امتحان البجروت في الدين الاسلامي، والطالب المسيحي أن يجتاز امتحانا في الدين المسيحي. وأعلن تأييده لاقتراح الأستاذ فتحي بل أضاف أنه يتعهد بتمويل تكاليف إعداد ثلاثة معلمين (مسلم ومسيحي ودرزي) طوال عام كامل لوضع نصوص دينية تدرس بشكل مشترك للطلاب.
القس فؤاد داغر، راعي الكنيسة الانجيلية في شفاعمرو حيى اللقاء مشيرا إلى معانيه وأهميته، كما حيى مركز “اللقاء” على مبادراته هذه. السيدة راوية شنطي، رئيسة لجنة أولياء أمور الطلاب في المدرسة الثانوية، دعت إلى الاحتفال بصيام الفصح في مؤسسة اسلامية كما جرى الاحتفال بصيام رمضان في مؤسسة مسيحية.
واختتم الدكتور جريس خوري، مدير “مركز اللقاء” التحيات بتوجيه الشكر لكل من حضر وشارك وساهم في هذا اللقاء، وحيى المنظمين أعضاء فرع الجليل وجمعية سوا، وأكد على أن المركز سيتابع تنفيذ الاقتراح الذي تمت المصادقة عليه في هذه الأمسية وسيعمل بشكل مكثف على انجاحه، كما أعلن أن “مركز اللقاء- فرع الجليل” سيباشر عمله قريبا في مؤسسات مار الياس في عبلين، بعد اتمام تجهيز المقر الذي منحه المطران الياس شقور للمركز كي يمارس فيه نشاطاته.
ملاحظة: اعد التقرير الاستاذ زياد شليوط